سلسلة بناء أمة ...تربية نبوية من دروس السيرة النبوية للدكتور راغب السرجاني ( الحلقة ١٢)
إن الحمد لله؛ نحمده ونستعينه ونستغفره ونستهديه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، إنه من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له.
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله
أما بعد: فمع الدرس الثاني من سلسلة الدروس الخاصة بالمرحلة المكية من سيرة رسول الله
في هذا الدرس نتحدث عن الوضع في العالم قبل بعثة رسول الله
ولسائل أن يسأل: لماذا الحديث عن الفترة السابقة للإسلام؟ بمعنى: أننا في هذه الدروس نتحدث عن قواعد بناء الأمة الإسلامية، فما الذي يدفعنا للحديث عن فترة سابقة لفترة الإسلام؟
أقول: لن تدرك قيمة النور إلا إذا عرفت الظلام، ويكفي لبيان ذلك ذكر حديث رسول الله في صحيح مسلم عن عياض بن حمار رضي الله عنه،فإنه ﷺ في هذا الحديث وضح حال الأرض قبل بعثته صلى الله عليه وسلم، فقال:(إن الله نظر إلى أهل الأرض فمقتهم عربهم وعجمهم، إلا بقايا من أهل الكتاب)
وصل حال الأرض إلى حالة من التردي والضياع الشديد، إلى الدرجة التي يمقتهم فيها الله عز وجل، والمقت هو شدة الكراهية، وكلمة (بقايا) توحي بأنهم مجرد آثار، وليس ثمة أثر مباشر لهم في واقع الناس، وهذه البقايا لم تكن مجتمعات، يعني: ما كانت مثلاًَ مجتمعاً صالحاً في مكان ما على الأرض، بل كانوا أفراداً معدودين، رجل في مدينة، ورجل في مدينة أخرى يبتعد عنه مئات أو آلاف الأميال،وهكذا.
تعالوا نخترق الزمان والمكان، نخترق الزمان بالوصول إلى ما قبل بعثة رسول الله، ونخترق المكان بالوصول إلى كل بقعة على الأرض كانت تعاصر رسول الله، ونتجول بين الشرق والغرب.
تعالوا نرى حال الناس، والملوك، والأخلاق، والطباع، ونرى ما يسمى بالحضارات في ذلك الزمان.
اقرأ أيضا :سلسلة بناء أمة ...تربية نبوية من دروس السيرة النبوية للدكتور راغب السرجاني ( الحلقة الحادية عشرة )
حال مصر قبل البعثة النبوية:
كانت مصر محتلة من قبل الرومان منذ هزيمة كليوباترا على يد أوكتافيوس في سنة (٣١) قبل الميلاد، يعني: أكثر من (٥) قرون من الاحتلال الروماني لمصر، حتى سقطت في سنة (٤٧٦م) لما سقطت الدولة الرومانية الغربية، لكن الدولة الرومانية الشرقية سرعان ما استولت على مصر قبل ميلاد الرسول ﷺ بحوالي (١٠٠) سنة.
والدولة الرومانية سواء كانت شرقية أو غربية كانوا يتخذون من مصر مخزناً يمد الإمبراطورية الرومانية باحتياجاتها من الغذاء، وحصل تدهور شديد في الاقتصاد المصري، وتدهور شديد أيضاً في الحالة العلمية والاجتماعية، وفقد المصريون السلطة بكاملها في بلادهم، لكن الرومان حرصوا على أن يتركوا بعض الرموز من أجل أن تبقى صورة من المصريين موجودة في السلطة، فيتجنبوا ثورة الشعوب، لكن الواقع أن كل الحكم والإدارة كانت في يد الرومان.
فرضوا الضرائب الباهظة على الشعب الفقير المعدم، ضرائب عامة على الأفراد والصناعات والأراضي والماشية، وحتى على المبيعات.
وضرائب على المارة، إذا أردت أن تذهب من مكان إلى مكان أو من مدينة إلى مدينة تدفع ضريبة.
وضرائب حتى على زوجات الجنود، الجندي يدفع روحه من أجل البلد وامرأته وهو غائب تدفع ضريبة.
وضرائب على أثاث المنزل، بل تجاوزت ضرائب الأحياء إلى الأموات، فقد كان لا يسمح بدفن الميت إلا بعد أن تدفع ضريبة معينة تشبه ضريبة التركات، ولم يكتفوا بمصيبة الموت فأضافوا إليها ضريبة.
فوق كل هذا كان هناك التعذيب لأجل المخالفة في المعتقد الديني، فالكل لابد أن يكون تحت مظلة النصرانية الأرثوذكسية.
التسميات :
مقالات
سلسلة بناء أمة ...تربية نبوية من دروس السيرة النبوية للدكتور راغب السرجاني ( الحلقة ١٢)
Reviewed by Gharam elsawy
on
8:19 ص
Rating:

ليست هناك تعليقات: