سلسلة بناء أمة ...تربية نبوية من دروس السيرة النبوية للدكتور راغب السرجاني ( الحلقة الخامسة )

سبب الاقتصار على ذكر بعض جوانب العهد المكي في حياة النبي :
في هذه المجموعة من الدروس نتحدث عن جانب من حياة رسول الله، وهو العهد المكي من السيرة النبوية، وليس الغرض من وراء هذا المجموعة استقصاء كل واقعة حدثت في حياة رسول الله في مكة، فهذا أمر يطول شرحه، ويعجز البيان عن وصفه لأمور:

سبب الاقتصار على بعض جوانب العهد المكي في حياة النبي :

١-كثرة الوقائع والتفاصيل المسجلة في حياته 

٢-التنوع في حياته 

٣-أثره في بناء الجيل الفريد الذي غير مجرى التاريخ

٤-حياة النبي  كلها أحداث عظيمة

1-كثرة الوقائع والتفاصيل المسجلة في حياته عليه الصلاة والسلام:

الأمر الأول: أن الفترة المكية قد سجلت كل وقائعها بدقة، وبالذات منذ مبعث رسول الله إلى أن مات، كل لحظة في حياة رسول الله منذ أن بعث وإلى أن مات سجلت، ولم تسجل حياة إنسان على وجه الأرض بهذه الدقة، حتى دخل التسجيل إلى أدق تفاصيل حياة الرسول ، ولعل من حِكَمِ زواجه  من عدد كبير من النساء: أن ينقلن الحكمة التي تعلمنها من حياة رسول الله الشخصية الداخلية التي لا يراها غيرهن، وما هذا التسجيل الضخم الدقيق إلا لأنه  قدوة كاملة، وليس بعده نبي إلى يوم القيامة، {لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا} [الأحزاب:٢١].

إذاً: نحن مطالبون باتباع رسول الله في كل خطوة من خطوات حياتنا، في رضاه وغضبه ، في حزنه وسروره، وفي حله وترحاله، إذا رضي فهذا هو الموضع الذي يجب أن نرضى فيه، وإذا غضب فهذا هو الموضع الذي يجب أن نغضب فيه.

اقرأ أيضا :سلسلة بناء أمة ...تربية نبوية من دروس السيرة النبوية للدكتور راغب السرجاني ( الحلقة الرابعة )
2-التنوع في حياته عليه الصلاة والسلام:

الأمر الثاني الذي جعل إحصاء كل أمر في حياة الرسول ﷺ أمر صعب: التنوع العجيب في حياة رسول الله ، فتارة يكون مطارداً معرضاً للأذى والاضطهاد كما في حادث الهجرة، يخرج الرسول ﷺ هو وأبو بكر الصديق رضي الله عنه وأرضاه فارين من أهل مكة, ورسول الله في ذلك مطلوب الرأس، وكذلك أبو بكر الصديق رضي الله عنه وأرضاه، إلى أن يصلا إلى المدينة المنورة بعد أيام من الفرار،

وفي نفس سيرة هذا الرجل العظيم صلى الله عليه وسلم تجد أنه ممكنّ في الأرض، يرسل الرسائل إلى كل عظماء الأرض: من محمد إلى كسرى عظيم فارس.

من محمد  إلى قيصر عظيم الروم.

وإلى المقوقس عظيم مصر.

انظروا الفرق الضخم الهائل بين حالة كان يعيشها ، وبين حالة أخرى عاشها ذاته، تارة تجد أنه  يعاهد قوماً، وتارة يحاربهم، تارة يكون فقيراً معدماً يربط على بطنه حجرين من الجوع، ولا يوقد في بيته النار ثلاثة أهلة في شهرين،

وفي وقت آخر من السيرة تجد أن هذا الرجل ذاته قد أصبح غنياً تأتيه الأموال من كل بقاع الجزيرة العربية، وينفق الأموال في سبيل الله إنفاقاً غير مسبوق، يعطي هذا مائة من الإبل، وهذا مائة من الإبل، وهذا أكثر، وهذا أقل ينفق إنفاقاً عجيباً! هذا هو نفس الرجل الذي كان يتعامل مع المشركين واليهود والنصارى والمنافقين والمؤمنين، فتارة ينتصر عليهم، وتارة يهزم.

كل تنوع ممكن يحصل في حياة أمة قد حدث في حياة رسول الله.

إذاً: هذا أمر يجعل إحصاء كل مواقف السيرة أمر صعب جداً، خصوصاً وأنت تريد أن تلاحظ كل هذه المتغيرات في حياة رسول الله ضمن مجموعة واحدة من الدروس.