الازهر

[الازهر][twocolumns]

مجالس العلماء

[مجالس العلماء][bsummary]

س و ج

[س وج][grids]

سلسلة بناء أمة ...من دروس السيرة النبوية ( من هنا بدأ الاسلام ) للدكتور راغب السرجاني ( الحلقة 30)

سلسلة بناء أمة ...من دروس السيرة النبوية ( من هنا بدأ الاسلام ) للدكتور راغب السرجاني ( الحلقة 30)

تتمة صفات خلقية أهلت العرب لحمل رسالة الإسلام :
وفي ماذا نحتاج نحن الكرم في إنشاء الأمة الإسلامية؟ إن الله سبحانه وتعالى لما تكلم عن الناس التي ستأخذ هذه المسئولية نص على الجهاد بالمال، فقال: {الَّذِينَ آمَنُوا وَهَاجَرُوا وَجَاهَدُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ أَعْظَمُ دَرَجَةً عِنْدَ اللَّهِ وَأُوْلَئِكَ هُمُ الْفَائِزُونَ }[التوبة:20]،

فجعل المال نصف الجهاد، وكثير من آيات القرآن الكريم جاءت على هذا المنوال، يقدم الله الجهاد بالمال حتى على الجهاد بالنفس، وهذا أمر تحتاج الناس كلها إليه.

فهذا أبو بكر الصديق الكريم أنفق الأموال الكثيرة في إعتاق العبيد، وتجهيز الجيوش، والإنفاق على الهجرة

وكذلك عثمان بن عفان جهز جيش تبوك كله، واشترى بئر رومة، وقام بتوسعة المسجد النبوي.
وفي زمن القحط تصدق عبد الرحمن بن عوف بقافلة تجارية كاملة أكثر من سبعمائة ناقة داخل المدينة المنورة في سبيل الله.
وطلحة بن عبيد الله أنفق سبعمائة ألف درهم في يوم واحد على الفقراء وما كان ليتحقق لو كان المسلمون فيهم بخل.

إذاً: الكرم شيء هام جداً لبناء الأمة الإسلامية، والرجل الذي يتصف بالبخل من الصعب أن يصل إلى هذه الدرجات من الإنفاق، فبناء الأمم يحتاج إلى كرم وبذل وإنفاق.

صفة ثالثة كانت موجودة في العرب: الشجاعة، كان العرب قبل الإسلام يفتخرون بالموت قتلاً، ويستهينون بالحياة تماماً، ليس عنده أي مانع أنه يفقد حياته كلها وفاء لكلمته، أو دفاعاً عن صديقه، أو حماية لجواره.

قال أحدهم لما بلغه قتل أخيه: إن يقتل فقد قتل أبوه وأخوه وعمه، إنا والله لا نموت حتفاً على الفراش، ولكن قطعاً بأطراف الرماح، وموتاً تحت ظلال السيوف.

إذا كنا قد ذكرنا منذ قليل أن نصف الجهاد بالمال فالنصف الآخر بالروح وهذا أشق؛ لأن بناء الأمم كما يحتاج إلى أموال وكرم يحتاج إلى أرواح وهمم، والجبان قد يقتنع بقضية المال ولكنه لا يقوى قلبه أبداً على الإقدام عليه.
أما العرب فقد كانت شجاعتهم فطرية، وهذا ساعد الأمة الإسلامية أن تنشأ وتنمو بسرعة في هذه البيئة، فـخالد بن الوليد رضي الله عنه وأرضاه كان يبدأ المعارك بنفسه، ويقول: إذا رأيتموني حملت على العدو فاحملوا، أول علامة وأول إشارة للقتال أن يبدأ القائد بالتحرك، مع أنه يمكنه أن يقف وراءهم، لكنه لا يخاف الموت.

والبراء بن مالك رضي الله عنه وأرضاه ألقاه جيش المسلمين في موقعة اليمامة داخل حديقة الموت، التي كان فيها مسيلمة الكذاب ومعه أربعون ألفاً من المرتدين؛ حتى يفتح لهم الباب من الداخل، لم ير لقضية الحياة أهمية، فقد جاء الإسلام ليحسن ويجمل من هذه الصفة ويجعلها في سبيل الله، تموت لتدخل الجنة، لتصير شهيداً في سبيل الله، لكن الجبان يصعب عليك أن تزرع فيه هذه المعاني.

إذاً: صفة الشجاعة كانت صفة في غاية الأهمية لبناء الأمة الإسلامية.
اقرأ أيضا :سلسلة بناء أمة ...من دروس السيرة النبوية ( من هنا بدأ الاسلام ) للدكتور راغب السرجاني ( الحلقة 29 )

صفة أخرى كانت موجودة أيضاً في العرب: وهي صفة العزة. فالعربي بفطرته يأبى أن يعيش ذليلاً، يأنف من الذل، يرفض الضيق، يعشق الحرية، فهذاعنترة -وقد مات كافراً قبل الإسلام- يقول:لا تسقني ماء الحياة بذلة بل فاسقني بالعز كأس الحنظل

أي: لا أريد أن أعيش أبد الآبدين ذليلاً، لكن أشرب الحنظل وأموت عزيزاً.

ثم يقول:ماء الحياة بذلة كجهنم وجهنم بالعز أطيب منزل

لم يكن عنترة يؤمن بجهنم؛ لأنه لا يعلم بالبعث أصلاً، فقد كان كافراً قبل الرسالة، لكن يقصد بجهنم النار الشديدة، يعني، أموت وسط النار الشديدة مرفوع الرأس أحب إلي من أن أعيش ذليلاً خارجها.
هذا كان موقف العرب من العزة، والعزة شيء تحتاجه الأمة الإسلامية أشد الاحتياج، ولا شك أن الأمة التي تنشأ على هذه الروح وهذه العزة لا بد أن تسود وأن تقود.

يأتي الدين الإسلامي ليوجه هذه العزة لله عز وجل: {مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْعِزَّةَ فَلِلَّهِ الْعِزَّةُ جَمِيعًا }فاطر:10] ولهذا كان قبول المسلمين في فترة مكة لفكرة عدم القتال، وعدم رفع الظلم الذي وقع عليهم، أصعب وأشق من قبول فكرة الجهاد في سبيل الله، وبذل الروح بعد ذلك لما ذهبوا إلى المدينة المنورة؛ لأنهم تعودوا على رفع الرأس. وهذه صفة لا تنفك عن أولئك الذين يحملون أمانة إقامة هذه الأمة.

ليست هناك تعليقات: