الازهر

[الازهر][twocolumns]

مجالس العلماء

[مجالس العلماء][bsummary]

س و ج

[س وج][grids]

حسن معاملة غير المسلمين فرض على كل مسلم

بقلم:
د. محمد رأفت عثمان
كثير من الناس لا يعرفون من شريعة الإسلام إلا جانب العبادات من صلاة وصيام وزكاة أو حج ولا يتصورون أن الإسلام نظام كامل جاء لتنظيم جميع أنواع السلوك الإنسانى فنظم علاقة الفرد بالفرد مسلماً كان أو غيره، وعلاقة الفرد بالمجتمع، وعلاقة الحاكم بأفراد الشعب أو علاقة الدولة الإسلامية بالدول الأخرى فى السلم أو الحرب سواء كان بين المسلمين بعضهم مع بعض أو بين المسلمين وغير المسلمين الذين يشاركونهم المواطنة فى الدولة الإسلامية.
فنجد أن أحكام الإسلام قد نظمت بين المسلمين وغيرهم، فى المصاهرة ونظام الأسرة من زواج وحقوق وواجبات أسرية وعلاقات الجيران والتعامل المالى، وحالات تعدى بعض من هؤلاء على بعض من الآخرين، وغير هذا من سائر ألوان النشاط والعلاقات من الذين يعيشون فى وطن واحد.
ومن أبرز هذه الأحكام أن للمواطنين غير المسلمين حريتهم فى اختيار عقيدتهم فلا يجوز للمسلمين أفراداً كانوا أو سلطة إجبارهم على الدخول فى شريعة الإسلام، فالإنسان عليه أن ينظر ـ بعد التفكير بعقله ـ الذى وهبه الله إياه ـ أى طريق يسلكها فى عقيدته وما على المسلمين إلا أن يبلغوا رسالة الإسلام بالحكمة والموعظة الحسنة إلى غيرهم، فإما أن يختاروا طريق الخير وهو الإسلام وإما أن يختاروا غيره، ونصوص الشريعة واضحة وقاطعة فى عدم إجبارهم على الدخول فيما لا يؤمنون به.. يقول تبارك وتعالي: “لَا إِكْرَاهَ فِى الدِّينِ ۖ قَدْ تَبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ ۚ” البقرة ـ 256 والمعنى كما يقول ابن كثير فى تفسيره “لا تكرهوا أحداً على الدخول فى دين الإسلام فإنه بيِّن واضح جليٌّ ـ دلائله وبراهينه ـ لا يحتاج إلى أن يُكره أحدٌ على الدخول فيه.
ويقول العلماء فى سبب نزول هذه الآية الكريمة: إن رجلاً من الأنصار ـ أى سكان المدينة قبل الهجرة ـ كان له ابنان نصرانيان قد تنصرا على أيدى تجار قدموا إلى المدينة من الشام يحملون الزبيب، أما هو فكان مسلماً فلما عزم الابنان على أن يذهبا مع هؤلاء التجار أراد أبوهما أن يستكرهما على ترك النصرانية والدخول فى الإسلام، وطلب الرجل من رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ أن يبعث فى آثارهما فنزلت الآية الكريمة لتُبين أن “لَا إِكْرَاهَ فِى الدِّينِ”.
وفى القرآن الكريم أيضاً نجد قول الله تبارك وتعالي: “قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْا إِلَىٰ كَلِمَةٍ سَوَاءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ أَلَّا نَعْبُدَ إِلَّا اللَّهَ وَلَا نُشْرِكَ بِهِ شَيْئًا وَلَا يَتَّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضًا أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ ۚ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقُولُوا اشْهَدُوا بِأَنَّا مُسْلِمُونَ” آل عمران ـ 64.
وإذا انتقلنا إلى جانب أحاديث رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ فإننا سنجد أنه ثبت أن رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ أرسل كتاباً إلى اليمن وقد جاء فى هذا الكتاب: “من كره الإسلام من يهودى أو نصرانى فإنه لا يُحوَّل عن دينه وعليه الجزية، وهى مقدار قليل من النقود يسهم فى المصالح العامة للدولة يعفى منها النساء والأطفال والفقراء”.
وقد فهم الصحابة ـ رضى الله عنهم ـ هذا المعنى والتزموا به وطبقوه ففى تفسير القرطبى روى زيد بن أسلم عن أبيه سمعت عمر بن الخطاب ـ رضى الله عنه ـ يقول لعجوز نصرانية أسلمى أيتها العجوز تسلمى إن الله بعث محمداً ـ صلى الله عليه وسلم ـ بالحق، قالت: أنا عجوز كبيرة والموت إليَّ قريب فقال عمر اللهم فاشهد ثم تلا قول الله تعالى على ذكره: “لَا إِكْرَاهَ فِى الدِّينِ”.
فلو كان يجوز الإكراه على الدخول فى الإسلام لما نهى رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ عن تحويل اليهودى والنصرانى عن دينه ولكان عمر قد أكره المرأة على الدخول فى الإسلام.
وهذا هو المتفق مع روح الإسلام التى تتسم بالعطف والتسامح مع معتنقى الديانات الأخرى.
وبجانب حريتهم فى اختيار عقيدتهم نجد أن أحكام شريعة الإسلام صريحة فى بيان أنه لا يجوز الاعتداء على أنفسهم أو أعراضهم أو أموالهم، ومن أموالهم التى لا يجوز لنا أن نعتدى عليها ما يكون فى حوزتهم من خمر أو خنزير، فإنه مع أن الخمور والخنازير ليست بمال إذا كان يملكها مسلم إلا أنها إذا كانت فى حيازة غير المسلم فليس للمسلم أن يعتدى عليها.
وأوجب الإسلام على الدولة الدفاع عن المواطنين غير المسلمين ضد كل من يعتدي عليهم سواء كان هذا المعتدى من مواطنى دولة تقوم فى حالة حرب بين المسلمين وبينها، أو بين المسلمين أنفسهم أفراداً كانوا أو جماعات.
ومن احترام المسلمين للكتابين ـ يهوداً كانوا أو نصارى ـ أنه لا يمنع المسلم من الزاوج من اليهودية أو النصرانية مع أنه لا يجوز للمسلم أن يتزوج من غير المسلمة إذا كانت تدين بدين غير اليهودية أو النصرانية كالبوذية أو لا تدين بأى دين كالشيوعية، فاختصاص المرأة الكتابية ـ وهى اليهودية والنصرانية بجواز أن يتزوجها المسلم أو غيرها من أتباع الديانات الأخرى، يبين أن للكتابيين وضعاً ومكانة أدبية خاصة أعلى من وضع ومكانة غير المسلمين مما لا يدينون بدين موسى أو عيسى ـ عليهما وعلى رسولنا الصلاة والسلام ـ فقال الله ـ عز وجل ـ مخاطباً المسلمين “الْيَوْمَ أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّبَاتُ ۖ وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حِلٌّ لَكُمْ وَطَعَامُكُمْ حِلٌّ لَهُمْ ۖ وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الْمُؤْمِنَاتِ وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ” المائدة ـ 5.
وقد ساوى الإسلام بين المسلمين وغيرهم من مواطنى الدولة من خضوع الجميع لقانون واحد للعقوبات فى جرائم القتل والزنى والسرقة وقطع الطريق وغيرها يطبق فيها عقوبة واحدة على من ارتكبها من المسلمين أو من غيرهم من مواطنى الدولة، بل نجد غير المسلمين مستثنين من عقوبة بعض الأفعال التى يعتقدون أنها حلال لهم كشرب الخمر وأكل لحوم الخنازير، فنحن نقرهم عليها ولا عقوبة عليهم فى ذلك لاعتقادهم أن هذه الأفعال حلال لهم، وأيضاً فلأننا نقرهم على عقيدة تخالق الإسلام، ولا شك أن الإقرار على المخالفة فى العقيدة أقوى على الإقرار فى هذه الأفعال.
وقد أوجب الإسلام على المسلمين أن يحسنوا معاملة غير المسلمين وهذا الإحسان فى معاملتهم واجب على كل فرد مسلم سواء كان حاكماً أم محكوماً.
بل وفُرِضَ أنه لو كان لغير المسلم ابناً قد أسلم دون أبيه أو دون أمه، فإن من الواجب على الابن أن يبرهما ويطيعهما إلا فيما يختص بالعقيدة قال ـ تبارك وتعالي: “وَوَصَّيْنَا الْإِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ حَمَلَتْهُ أُمُّهُ وَهْنًا عَلَىٰ وَهْنٍ وَفِصَالُهُ فِى عَامَيْنِ أَنِ اشْكُرْ لِى وَلِوَالِدَيْكَ إِلَيَّ الْمَصِيرُ * وَإِنْ جَاهَدَاكَ عَلَىٰ أَنْ تُشْرِكَ بِى مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلَا تُطِعْهُمَا ۖ وَصَاحِبْهُمَا فِى الدُّنْيَا مَعْرُوفًا ۖ وَاتَّبِعْ سَبِيلَ مَنْ أَنَابَ إِلَيَّ ۚ ثُمَّ إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ فَأُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ” لقمان: 14 ـ 15.

ليست هناك تعليقات: