الازهر

[الازهر][twocolumns]

مجالس العلماء

[مجالس العلماء][bsummary]

س و ج

[س وج][grids]

سلسلة بناء أمة ...من دروس السيرة النبوية ( الدعوة جهرا ) للدكتور راغب السرجاني ( الحلقة 57)

سلسلة بناء أمة ...من دروس السيرة النبوية ( الدعوة جهرا ) للدكتور راغب السرجاني ( الحلقة 57)


تتمة موانع دخول أهل مكة في الإسلام:


ومن الناس من منعه غباؤه عن استيعاب فكرة أن الله عز وجل يرسل رسولاً من البشر، لم يدرك عقله البسيط الحكمة من وراء ذلك، بل كانوا يريدون ملكاً:{وَمَا مَنَعَ النَّاسَ أَنْ يُؤْمِنُوا إِذْ جَاءَهُمُ الْهُدَى إِلَّا أَنْ قَالُوا أَبَعَثَ اللَّهُ بَشَرًا رَسُولًا }[الإسراء:94]،

فيرد الله عز وجل عليهم برد عقلي أيضاً:{قُلْ لَوْ كَانَ فِي الأَرْضِ مَلائِكَةٌ يَمْشُونَ مُطْمَئِنِّينَ لَنَزَّلْنَا عَلَيْهِمْ مِنَ السَّمَاءِ مَلَكًا رَسُولًا}[الإسراء:95]، لو نزل ملكاً فكيف تستطيع تقليده؟ كيف ستتخذه قدوة؟

إذا قام الليل، ستقول: هذا من شأنه، أنا بشر وهو ملك، إذا حارب في سبيل الله، إذا فعل أي شيء في سبيل الله عز وجل ستقول: هو ملك وأنا بشر فلا أستطيع أن أفعل فعله، ولو أنزله ملكاً يتلبس بصورة البشر، لقال الناس: هل يا ترى هو ملك أو بشر؟ يلتبس على الناس أمرهم:(وَقَالُوا لَوْلا أُنزِلَ عَلَيْهِ مَلَكٌ وَلَوْ أَنزَلْنَا مَلَكًا لَقُضِيَ الأَمْرُ ثُمَّ لا يُنظَرُونَ )[الأنعام:8]،

قضت حكمة الله عز وجل أنه إذا نزل الملك على القوم نزل بالعذاب، نزل بالهلكة بعد أن يكذبوا الرسول:(وَلَوْ أَنزَلْنَا مَلَكًا لَقُضِيَ الأَمْرُ ثُمَّ لا يُنظَرُونَ * وَلَوْ جَعَلْنَاهُ مَلَكًا لَجَعَلْنَاهُ رَجُلًا )[الأنعام:8-9]

من أجل أن يستطيعوا تقليده:(وَلَوْ جَعَلْنَاهُ مَلَكًا لَجَعَلْنَاهُ رَجُلًا وَلَلَبَسْنَا عَلَيْهِمْ مَا يَلْبِسُونَ)[الأنعام:9]، فإن الناس ستضطرب وتتحير، ولن تستطيع معرفة ما إذا كان فعلاً هو ملك أو هو رسول بشر

اقرأ أيضا :سلسلة بناء أمة ...من دروس السيرة النبوية ( الدعوة جهرا ) للدكتور راغب السرجاني ( الحلقة 56)
ومن الناس من منعه غباؤه من استيعاب فكرة البعث واليوم الآخر، وهذه كانت من أكبر المشاكل بالنسبة لهم؛ لأن قياسه للأمور بقياساته المحدودة، ولو أدرك قدرة الله لعلم أنه لا يعجزه شيء في الأرض ولا في السماء،

يقول الله يصف حالهم:{وَأَقْسَمُوا بِاللَّهِ جَهْدَ أَيْمَانِهِمْ لا يَبْعَثُ اللَّهُ مَنْ يَمُوتُ}[النحل:38]، هذا قسم أقسموا عليه متيقنين أن الله لا يبعث من يموت فرد الله عليهم بقوله:{بَلَى وَعْدًا عَلَيْهِ حَقًّا وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ}[النحل:38].
انظر إلى موقف العاص بن وائل عندما جاء إلى رسول الله وفي يده عظم رميم وهو يفتته ويذروه في الهواء، وهو يقول: يا محمد! أتزعم أن الله يبعث هذا؟ فقال رسول الله: نعم، يميتك الله تعالى، ثم يبعثك، ثم يحشرك إلى النار،

ثم نزلت الآيات تخاطب العقول، قال الله:{أَوَلَمْ يَرَ الإِنسَانُ أَنَّا خَلَقْنَاهُ مِنْ نُطْفَةٍ فَإِذَا هُوَ خَصِيمٌ مُبِينٌ * وَضَرَبَ لَنَا مَثَلًا وَنَسِيَ خَلْقَهُ قَالَ مَنْ يُحْيِ الْعِظَامَ وَهِيَ رَمِيمٌ * قُلْ يُحْيِيهَا الَّذِي أَنشَأَهَا أَوَّلَ مَرَّةٍ وَهُوَ بِكُلِّ خَلْقٍ عَلِيمٌ}[يس:77-79]، هذا هو الدليل الأول على بدء الخلق.
الدليل الثاني:{الَّذِي جَعَلَ لَكُمْ مِنَ الشَّجَرِ الأَخْضَرِ نَارًا فَإِذَا أَنْتُمْ مِنْهُ تُوقِدُونَ}[يس:80] أي: خلق الله عز وجل من الشجر الأخضر المليء بالماء النار، فهو قادر على كل شيء سبحانه وتعالى.

ثم الدليل الثالث:{أَوَلَيْسَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ بِقَادِرٍ عَلَى أَنْ يَخْلُقَ مِثْلَهُمْ بَلَى وَهُوَ الْخَلَّاقُ الْعَلِيمُ}[يس:81]، وقال:{لَخَلْقُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ أَكْبَرُ مِنْ خَلْقِ النَّاسِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ}[غافر:57].

ثم قال:{إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئًا أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ * فَسُبْحَانَ الَّذِي بِيَدِهِ مَلَكُوتُ كُلِّ شَيْءٍ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ}[يس:82-83].
بل إن من الناس من أهل مكة من كان شديد الغباء حتى اعترض على القرآن الكريم نفسه، والقرآن الكريم كلام الله عز وجل لا يشبهه كلام البشر ولا يستطيعونه:{لا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلا مِنْ خَلْفِهِ تَنزِيلٌ مِنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ}[فصلت:42]،

والعرب في زمان رسول الله أعلم أهل الأرض باللغة العربية، وأكثرهم إتقاناً لها، وكانوا يعلمون تمام العلم أن هذا ليس في مقدورهم، وليس في مقدور عموم البشر، ولكن{فَإِنَّهَا لا تَعْمَى الأَبْصَارُ وَلَكِنْ تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ}[الحج:46]، قالوا عن القرآن: إنه شعر، وسحر، وكهانة.

إذاً: هذه وغيرها كانت موانع للناس عن الانضمام في دعوة الإسلام العظيمة، وبدءوا يخططون ويدبرون للكيد لهذا الدين، والحرب بين الحق والباطل سنة ماضية إلى يوم القيامة:{وَدُّوا لَوْ تَكْفُرُونَ كَمَا كَفَرُوا فَتَكُونُونَ سَوَاءً}[النساء]

ليست هناك تعليقات: