الازهر

[الازهر][twocolumns]

مجالس العلماء

[مجالس العلماء][bsummary]

س و ج

[س وج][grids]

سلسلة بناء أمة ...من دروس السيرة النبوية ( الدعوة جهرا ) للدكتور راغب السرجاني ( الحلقة 56)

سلسلة بناء أمة ...من دروس السيرة النبوية ( الدعوة جهرا ) للدكتور راغب السرجاني ( الحلقة 56)


تتمة موانع دخول أهل مكة في الإسلام:


ومن الناس من منعه الكبر عن الإسلام، وما أكثر الذين امتنعوا عن لزوم الحق بسبب الكبر، قال الله:(وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ أَبَى وَاسْتَكْبَرَ وَكَانَ مِنَ الْكَافِرِينَ)[البقرة:34]، فالكبر يقود إلى الكفر.

وقد عرّف رسول الله الكبر بقوله:(الكبر بطر الحق وغمط الناس)، (بطر الحق) أي: تعرف الحق ثم تنكره.

(وغمط الناس): أي: احتقارهم.

وانظر إلى كلام الوليد بن المغيرة الذي حكاه القرآن الكريم، قال الله عز وجل في كتابه:

(وَقَالُوا لَوْلا نُزِّلَ هَذَا الْقُرْآنُ عَلَى رَجُلٍ مِنَ الْقَرْيَتَيْنِ عَظِيمٍ ([الزخرف:31]القريتان هما: مكة، والطائف، فالمقصود بالعظيم في مكة هو الوليد بن المغيرة ، والعظيم في الطائف هو عروة بن مسعود الثقفي،

فيقولون:لو كان نزل القرآن على رجل عظيم لكنا آمنا به، مع أن الرسول أعظم الخلق، لكنهم يقيسون العظمة بكثرة الأموال لا بقيم الأخلاق والدين والعقيدة، فالله عز وجل يوضح في كتابه الكريم أن الذي يتصف بصفة الكبر من المستحيل أن يتبع الحق

قال الله:(سَأَصْرِفُ عَنْ آيَاتِيَ الَّذِينَ يَتَكَبَّرُونَ فِي الأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَإِنْ يَرَوْا كُلَّ آيَةٍ لا يُؤْمِنُوا بِهَا وَإِنْ يَرَوْا سَبِيلَ الرُّشْدِ لا يَتَّخِذُوهُ سَبِيلًا وَإِنْ يَرَوْا سَبِيلَ الغَيِّ يَتَّخِذُوهُ سَبِيلًا ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا وَكَانُوا عَنْهَا غَافِلِينَ )[الأعراف:146] أي:أن الله بنفسه هو الذي سيصرف أولئك الذين يتكبرون عن آياته سبحانه وتعالى.
ومن الناس من منعه الخوف على السيادة والحكم في أرض مكة، فالرسول يريد تحكيم الله في أمور العبادة، وهو ﷺ ناقل عن رب العزة، وسيسحب البساط من تحت أقدام الزعماء كـأبي سفيان.. وغيره؛ وذلك إن انتشر دين الإسلام بمكة، فكان الخوف على الحكم معوقاً ضخماً للانخراط في الدعوات الصالحة
اقرأ أيضا :سلسلة بناء أمة ...من دروس السيرة النبوية ( الدعوة جهرا ) للدكتور راغب السرجاني ( الحلقة 55)

ومن الناس في مكة من كان يخاف على مصالحه المالية؛ لأنه مستفيد من الوضع الحالي لمكة بحالتها الكافرة الاشراكية، فمكة بلد آمن، ومحط أنظار أهل الجزيرة العربية، والتجارة فيها أشد ما تكون، ولو حارب العرب محمداً ﷺ لتحول البلد الآمن إلى بلد فتن وحروب، وهذا جو لا يساعد على التجارة، كما أن المشركين الذين يمثلون غالبية أو كل سكان الجزيرة العربية قد يرفضون القدوم إلى مكة بعد إسلامها، بل وقد يحاصرون مكة اقتصادياً، فماذا لو آمن تاجر من كبار التجار خارج مكة، ألن يمنع عن مكة الطعام والتجارة؟
وقد حدث ذلك بعد سنوات فعلاً، فعندما أسلم ثمامة بن أثال ملك اليمامة رضي الله عنه وأرضاه منع الطعام عن مكة فتأذت بذلك.

إذاً:الخوف على المصالح المادية والشخصية والتجارية كان سبباً رئيساً لعدم قبول بعض المشركين لفكرة الإسلام
ومن الناس في مكة من كان يخاف على شهواته وملذاته؛لأن الإسلام دعوة إصلاحية تدعو إلى الفضيلة ومكارم الأخلاق، والبعد عن المعاصي والذنوب، وأهل الباطل لا يريدون قيوداً، فالدعوات التي تمنع الزنا والإباحية والظلم والفساد لابد أن تحارب، وعلى قدر انغماس الرجل في شهواته على قدر حربه للإسلام
أيها الأحبة! إننا لا نتكلم فقط عن تاريخ مكة، فهذه الموانع التي وجدت في أهل مكة كانت موجودة أيضاً في العصور التي سبقتها وتلتها وإلى يوم القيامة؛ لأنها سنن في الفطرة النفسية للبشر بصفة عامة تمنع من الالتحاق بالدعوات الصالحة، لابد أن نعرفها من أجل أن نعرف كيف سنقاومها
ومن الناس من منعه غباؤه وانغلاق فكره عن الدخول في هذا الدين، اعتاد أن الآلهة متعددة، فلما جاءه رجل يخبره أن الله واحد لا شريك له لم يقبل عقله هذا الأمر،قال تعالى عنهم:{أَجَعَلَ الآلِهَةَ إِلَهًا وَاحِدًا إِنَّ هَذَا لَشَيْءٌ عُجَابٌ}[ص:5]

ولكن العجيب فعلاً أن يعتقد إنسان أن في الكون أكثر من إله، والقضية قضية عقلية بحتة، قال الله:{مَا اتَّخَذَ اللَّهُ مِنْ وَلَدٍ وَمَا كَانَ مَعَهُ مِنْ إِلَهٍ إِذًا لَذَهَبَ كُلُّ إِلَهٍ بِمَا خَلَقَ وَلَعَلا بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ سُبْحَانَ اللَّهِ عَمَّا يَصِفُونَ}المؤمنون:91]، هذا دليل عقلي:{لَوْ كَانَ فِيهِمَا آلِهَةٌ إِلَّا اللَّهُ لَفَسَدَتَا فَسُبْحَانَ اللَّهِ رَبِّ الْعَرْشِ عَمَّا يَصِفُونَ}[الأنبياء:22]

والغريب أن الكفار كانوا يناقضون عقولهم، وكأنهم لا يسمعون أصلاً:{لَهُمْ قُلُوبٌ لا يَفْقَهُونَ بِهَا وَلَهُمْ أَعْيُنٌ لا يُبْصِرُونَ بِهَا وَلَهُمْ آذَانٌ لا يَسْمَعُونَ بِهَا أُوْلَئِكَ كَالأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ أُوْلَئِكَ هُمُ الْغَافِلُونَ}[الأعراف:179]

ليست هناك تعليقات: