سلسلة بناء أمة ...من دروس السيرة النبوية ( الدعوة جهرا ) للدكتور راغب السرجاني ( الحلقة 55)
الجهر بالدعوة لعامة الناس من قريش وغيرهم
حصل إعلان لقريش، وحصل إعلان لأقارب الرسول خاصة قبل ذلك، ثم جاء بعد ذلك إعلان أوسع، الإعلان العام لأهل مكة ولغيرها، ويتضح من هذا التدرج في الدعوة التي قام بها رسول الله
قال الله عز وجل:{فَاصْدَعْ بِمَا تُؤْمَرُ وَأَعْرِضْ عَنِ الْمُشْرِكِينَ }[الحجر:94] أي: فاصدع يا محمد بأمر الدعوة.
هناك أمران متلازمان سيبقيان معنا طوال مرحلة جهرية الدعوة:
الأمر الأول: هو إعلان الدعوة للناس كافة مع خطورة هذا الأمر.
الأمر الثاني: الإعراض عن المشركين، بمعنى: عدم قتال المشركين، وهذا يتضمن معنى ضمنياً، وهو أنه سيحاول المشركون قدر استطاعتهم أن يوقفوا مد هذه الدعوة، وهذا هو ما أشار إليه ورقة بن نوفل من قبل لرسول الله ، وعلى الرسول في هذه الفترة أن يتجنب الصدام مع المشركين: (وَأَعْرِضْ عَنِ الْمُشْرِكِينَ)[الحجر:94]،
حتى لو حدث كيد وتعذيب وقتل فأعرض عن المشركين، هذه ظروف مرحلة معينة تمر بها الدعوة في هذه الفترة من حياة رسول الله
اقرأ أيضا :سلسلة بناء أمة ...من دروس السيرة النبوية ( الدعوة جهرا ) للدكتور راغب السرجاني ( الحلقة 54)
إذاً: الرسول صدع بما أُمر به، فماذا حدث في مكة؟ حدث انفجار في مكة، مشاعر الغضب والاستنكار والرفض، اجتماعات وتخطيطات ومكائد ومؤامرات، قامت الدنيا ولم تقعد في مكة، إنها الحرب لا هوادة فيها.
المسلمون في مكة لم يعلنوا إسلامهم باستثناء رسول الله، ولا أحد من البشر يدافع عن رسول الله في مكة إلا أبو طالب ، ورسول الله يقبل بدفاع أبي طالب مع كونه كافراً، فهو رجل واقعي يقدر خطورة الموقف، لم يقل: هذا كافر ولا يجوز أن أحتمي به، ولكنه في ذات الوقت ما فرط في كلمة واحدة من الدين، ما تنازل ما بدل ما غير، إنما كانت مساعدة غير مشروطة من أبي طالب ، مساعدة دون أن يفرض رأياً أو يخطط مستقبلاً لرسول أو للمسلمين والإسلام.
إذاً: هذا هو موقف الرسول وموقف أبي طالب وموقف مكة بصفة عامة.
موانع دخول أهل مكة في الإسلام
قبل الحديث عن خطة مكة في القضاء على الدعوة الإسلامية لابد أن نبحث في موانع الإسلام عند أهل مكة، لماذا لم يؤمن أهل مكة؟ هل لأنهم لم يقتنعوا بالدعوة؟ لماذا حاربوا الدعوة ولم ينصروها مع أن الرسول منهم ومن داخلهم؟ ألأنهم لم يدركوا الحق الذي جاء به رسول الله ؟
أنا لا أعتقد هذا مطلقاً، على الأقل الغالبية منهم، فقد كانت الرسالة واضحة جداً، كما قال الله عز وجل في كتابه الكريم: (وَجَحَدُوا بِهَا وَاسْتَيْقَنَتْهَا أَنْفُسُهُمْ ظُلْمًا وَعُلُوًّا )[النمل:14]، القرآن كلام معجز، وهؤلاء هم أهل اللغة، ويعرفون أن هذا الكلام ليس من كلام البشر، ويعلمون أن محمداً رسول الله فعلاً ولا يكذب،
ومع ذلك كان أبي بن خلف يقابل الرسول ويقول له: إني سأقتلك، فيقول له الرسول : بل أنا أقتلك إن شاء الله.
فمرت الأيام وخرج أبي بن خلف متردداً إلى أحد يحارب رسول الله، فضربه بسهم أصاب منه خدشاً في كتفه، فكان أبي بن خلف يصرخ من هذا الخدش صراخاً شديداً، فقال له الناس: هون عليك هذا أمر سهل، فقال أبي بن خلف : إنه قال لي بمكة: أنا أقتلك، فوالله لو بصق علي لقتلني!
فانظروا إلى مدى تصديقه لكلام الرسول ، فأين كان عقلك يا أبي ؟ أين كان عقل الذين سمعوك ولا يزالون يقاتلون النبي ؟
إذاً: أهل مكة كانوا يوقنون أن هذا الذي جاء به الرسول ﷺ هو الحق لا ريب فيه، فلماذا كذبوه؟
ذكرنا من الأسباب: التقاليد الذي كان عند أبي طالب والجبن الذي كان عند أبي لهب.
من الأسباب أيضاً التي منعت بعض الناس من دخول الإسلام: القبلية، ففي مكة قبائل كثيرة، بل في داخل قريش بطون كثيرة، فـأبو جهل من بني مخزوم، وكان يقول: تنازعنا نحن وبنو عبد مناف الشرف، أطعموا فأطعمنا، وحملوا فحملنا، وأعطوا فأعطينا، حتى إذا تحاذينا على الركب وكنا كفرسي رهان، قالوا: منا نبي يأتيه الوحي من السماء، فمتى ندرك هذه؟! والله لا نؤمن به أبداً ولا نصدقه.
فالتعصب لقبلية أو لقومية أو لعرق معين من شيم الجاهلية، وأعداء الأمة يستغلون هذا المدخل منذ القديم وإلى يوم القيامة، وهذه هي النقطة التي دخل منها اليهود والإنجليز لإسقاط الدولة العثمانية، عندما فرقوا المسلمين إلى عرب وأتراك.
وهي النقطة التي دخل منها الفرنسيون لإسقاط الجزائر عندما فرقوا المسلمين إلى عرب وبربر.
وهي النقطة التي دخل منها شاس بن قيس اليهودي لعنه الله للتفرقة بين الأنصار إلى أوس وخزرج.
التسميات :
مقالات
سلسلة بناء أمة ...من دروس السيرة النبوية ( الدعوة جهرا ) للدكتور راغب السرجاني ( الحلقة 55)
Reviewed by Gharam elsawy
on
12:23 م
Rating:

ليست هناك تعليقات: