سلسلة بناء أمة ...من دروس السيرة النبوية ( الدعوة جهرا ) للدكتور راغب السرجاني ( الحلقة 60)
تشويه صورة الدعوة الإسلامية:
المرحلة السلمية الثالثة: تشويه الدعوة ذاتها، وتشويه الإسلام، وأنه يدعو إلى أشياء خرافية ليست حقيقة، فحتى لو لم يكن للناس اعتراض على شخص الداعية، فهناك اعتراض على كلام الداعية، يعني: الإعلان في مكة كان يضرب تارة في شخص الرسول أو في شخص الداعية، وتارة يضرب في الإسلام،
قالوا:{إِنْ هَذَا إِلَّا إِفْكٌ افْتَرَاهُ وَأَعَانَهُ عَلَيْهِ قَوْمٌ آخَرُونَ}[الفرقان:4]، أي: هذا كذب ألفه بمساعدة آخرين،{وَقَالُوا أَسَاطِيرُ الأَوَّلِينَ اكْتَتَبَهَا فَهِيَ تُمْلَى عَلَيْهِ بُكْرَةً وَأَصِيلًا}[الفرقان:5]، أي: كتب الأولين استنسخها. مع أنهم يعلمون أنه أمي لا يقرأ، ويعلمون حياته من أولها إلى آخرها، وما غادر مكة إلا قليلاً، ولم يكن يغادرها بمفرده، فكيف عرف كل هذا القرآن؟
{وَلَقَدْ نَعْلَمُ أَنَّهُمْ يَقُولُونَ إِنَّمَا يُعَلِّمُهُ بَشَرٌ لِسَانُ الَّذِي يُلْحِدُونَ إِلَيْهِ أَعْجَمِيٌّ وَهَذَا لِسَانٌ عَرَبِيٌّ مُبِينٌ}[النحل:103]، فقد ادعوا أن رسول الله يتعلم القرآن على يد غلام نصراني، وهم كاذبون، ولكنهم كما قال الله عز وجل:{وَجَحَدُوا بِهَا وَاسْتَيْقَنَتْهَا أَنْفُسُهُمْ}[النمل:14]
وقاموا أيضاً بتشويه فكرة التوحيد، وهذا يعتبر طعناً في أصل الرسالة، قالوا:{أَجَعَلَ الآلِهَةَ إِلَهًا وَاحِدًا إِنَّ هَذَا لَشَيْءٌ عُجَابٌ}[ص:5]، وهذا الصوت العالي للباطل قد يشتت أفكار العوام.
ثم عملوا على تشويه فكرة البعث:{وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا هَلْ نَدُلُّكُمْ عَلَى رَجُلٍ يُنَبِّئُكُمْ إِذَا مُزِّقْتُمْ كُلَّ مُمَزَّقٍ إِنَّكُمْ لَفِي خَلْقٍ جَدِيدٍ * أَفْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا }[سبأ:7-8]،
أهل مكة يدعون على رسول الله الكذب، وقد كانوا يسمونه: الصادق الأمين،{أَفْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا أَمْ بِهِ جِنَّةٌ بَلْ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالآخِرَةِ فِي الْعَذَابِ وَالضَّلالِ الْبَعِيدِ}[سبأ:8].
وعملوا على تشويه لأخلاقيات وطبائع هذا الدين، فقالوا: هذا دين يفرق بين المرء وزوجه، وبين المرء وأهله.
اقرأ أيضا :سلسلة بناء أمة ...من دروس السيرة النبوية ( الدعوة جهرا ) للدكتور راغب السرجاني ( الحلقة 59)
مع أنه لم يأت دين يجمع الناس ويوحد صفوفهم مثل دين الإسلام، ولكن الإسلام يريد أن يوحد الناس على أساس متين يستوي فيه أهل الأرض جميعاً، وهو أساس العقيدة، وهذا ما تأباه قريش.
وهكذا يفعل أهل الباطل؛ دائماً يتهمون الإسلام في ذاته، كما يشوهون صورة الداعية ويشوهون صورة الدين، والآن نرى الناس يتهمون الإسلام بأنه دين الإرهاب، مع أنه لم يأت دين يدعو إلى الرحمة كدين الإسلام، ويتهمونه بالجمود الفكري، مع أنه لم يأت دين يدعو إلى التفكر كدين الإسلام، ويتهمونه بالتخلف العقلي، مع أنه لم يأت دين يدعو إلى التعلم والتفقه وعمارة الأرض كدين الإسلام.،
شغل الناس بالباطل واللهو عن الحق:
المرحلة السلمية الرابعة: شغل الناس بالباطل، فمن الصعب على القلب المنشغل بالباطل أن يلتفت إلى دعوة إصلاحية أو إلى دعوة الحق، بل من الصعب على الإنسان الذي غرق في حياة اللهو والتفاهة والانحلال أن يهتم بدعوة جادة.
خطة قديمة لأهل الباطل أن يقدموا للناس فنوناً مختلفة من الملهيات، فلا يكون عندهم وقت ولا عقل ولا قلب لدراسة هذا الدين، التفت إلى هذه الخطة الشيطانية رجل من كفار قريش، تولى ما يسمى بالإعلام المضاد لدين الإسلام، إعلام مضاد بصورة غير مباشرة، هو لم يطعن في دين الإسلام ولم يطعن في الرسول ﷺ مباشرة، لكنه سيقدم للناس مشهيات وملهيات تشغل الناس في يومهم وليلتهم عن الدين،
وهذا الرجل هو النضر بن الحارث لعنه الله، وقف يحادث قريشاً عن خطته، فقال: يا معشر قريش! والله لقد نزل بكم أمر ما أوتيتم له بحيلة بعد، قد كان محمد فيكم غلاماً حدثاً أرضاكم فيكم وأصدقكم حديثاً وأعظمكم أمانة، حتى إذا رأيتم في صدغيه الشيب وجاءكم بما جاءكم به قلتم: ساحر، لا والله ما هو بساحر، وقلتم: كاهن، لا والله ما هو بكاهن. يتكلم وكأنه يدافع عن الرسول ، ولكنه يكابر. وقلتم: شاعر، لا والله ما هو بشاعر، وقلتم: مجنون، لا والله ما هو بمجنون،يا معشر قريش! فانظروا في شأنكم، فإنه والله لقد نزل بكم أمر عظيم.
يقع الذين يصدون الناس عن الدعوات الإصلاحية وبالذات الإسلام في المشكلة الضخمة، وهي أن الدعاة إلى الله عز وجل عادة ما يكونون على صورة طيبة، تفوق بكثير صورة أهل الباطل، من صدق، وأمانة وأدب في المعاملة، ومروءة في الأخلاق، وتفوق في العلم، وحسن في المنطق، فصعب على الناس أن تقبل طعناً في الداعية، وقد يصعب عليها أيضاً أن تقبل طعناً في الرسالة؛ لأن الرسالة تتوافق مع فطرة الناس جميعاً.
التسميات :
مقالات
سلسلة بناء أمة ...من دروس السيرة النبوية ( الدعوة جهرا ) للدكتور راغب السرجاني ( الحلقة 60)
Reviewed by Gharam elsawy
on
5:29 ص
Rating:

ليست هناك تعليقات: