المواطنة والاستحمار
بقلم / سعيد ناشيد
غادرنا الطّريق السيّار الرّابط بين باندونج وجكارتا، وقد أصبحنا على مشارف مطار سوكارنو الدّولي عندما تذكّر السّائق الإندونيسي فجأة أنّه تخطّى محطّة الأداء دون أداء الثمن.
خفض السّرعة وأوقف السيّارة جانبا قبل أن أسأله مستغربا: ما بك؟ أجابني : سنضطرّ إلى العودة، لقد غادرنا الطريق السيّار واجتزنا محطة الأداء دون أداء الرّسوم، يبدو أني سهوت بفعل الازدحام؟ ! فسألته : هل ستواجهك مشكلة؟ قال : لا. فقلت له : ولِم الانزعاج؟ تابع طريقك ويمكنك تسويّة الأمر في وقت لاحق إن شئت.
أجابني : لا تنسى أني قد أسبب مشكلة لموظف الشّباك، إنّه احتمال ضئيل لكنّه وارد أيضا، وأنا لا أريد أن يحدث هذا. وهكذا استسلمت لقراره فعدنا مسافة ليست بالقصيرة.
في المساء سألت السّائق – وقد علمت أنّه كان سلفيا متزمتا في سنوات ماضية - هل كنت ستفعل هذا لو أنّك بقيت متطرفا كما كنت؟ بعد لحظة صمت أجابني بكلمات متقطعة : لا.. أبدا.. قطعا.. كنت أحرص فقط على أوقات الصلاة.. فقد كنت أظنّ أنّ أوّل ما يُسأل عنه المرء يوم القيامة هو الصلاة.. أما أوقات العمل والتزامات الدّنيا وقوانين السّير ورسوم الطريق السّيار ومحطة الأداء وكل الشّبابيك.. فطز على الجميع !
قبل بضع أسابيع قصدت محطة القطار في إحدى المدن المغربية الصغرى، وقفت أمام شبّاك التّذاكر أنتظر دوري، وقد كان الشباك مزدحما، وفجأة انفضّ موظف الشبّاك وافترش سجّادة الصلاة وبدأ يُصلي. كان القطار على وشك دخول المحطة، وكان ذلك الشباك هو الوحيد في تلك المحطة الصغيرة، فأخذ النّاس يتصايحون، والقطار يقترب، وصاحبنا يصلي… إلى أن وصل القطار وصاحبنا لا يزال يصلي والناس يتصايحون. وفي تلك الأثناء شعرت وكأنّه يقول في نفسه : طز على الجميع !
كم نحتاج إلى نباهة علي شريعتي حين تكلم في أحد فصول كتابه “النّباهة والاستحمار” عن الصلاة التي تنقلب من وسيلة للسمو إلى أداة للاستحمار، وعن ذلك المؤمن المستحمر من قمّة رأسه إلى أخمص قدميه، والذي يخشى أن يفوته وقت الصلاة ويُضيع أجرا وفيرا، فيهرول إلى المسجد تاركا النّار تلتهم بيت جاره البئيس ! ومثل ذلك حالات كثيرة أصبحت فيها الشعائر والعبادات مضيعة للعمل والإنتاج، وللعيش المشترك.
الاستحمار الديني عائق كبير أمام المصلحة العامة والخير العام، وهذان هما أساسيات الفضاء العمومي. ولذلك بوسعنا أن نقول : الاستحمار الديني هو العائق الأكبر أمام روح المواطنة.
خفض السّرعة وأوقف السيّارة جانبا قبل أن أسأله مستغربا: ما بك؟ أجابني : سنضطرّ إلى العودة، لقد غادرنا الطريق السيّار واجتزنا محطة الأداء دون أداء الرّسوم، يبدو أني سهوت بفعل الازدحام؟ ! فسألته : هل ستواجهك مشكلة؟ قال : لا. فقلت له : ولِم الانزعاج؟ تابع طريقك ويمكنك تسويّة الأمر في وقت لاحق إن شئت.
أجابني : لا تنسى أني قد أسبب مشكلة لموظف الشّباك، إنّه احتمال ضئيل لكنّه وارد أيضا، وأنا لا أريد أن يحدث هذا. وهكذا استسلمت لقراره فعدنا مسافة ليست بالقصيرة.
في المساء سألت السّائق – وقد علمت أنّه كان سلفيا متزمتا في سنوات ماضية - هل كنت ستفعل هذا لو أنّك بقيت متطرفا كما كنت؟ بعد لحظة صمت أجابني بكلمات متقطعة : لا.. أبدا.. قطعا.. كنت أحرص فقط على أوقات الصلاة.. فقد كنت أظنّ أنّ أوّل ما يُسأل عنه المرء يوم القيامة هو الصلاة.. أما أوقات العمل والتزامات الدّنيا وقوانين السّير ورسوم الطريق السّيار ومحطة الأداء وكل الشّبابيك.. فطز على الجميع !
قبل بضع أسابيع قصدت محطة القطار في إحدى المدن المغربية الصغرى، وقفت أمام شبّاك التّذاكر أنتظر دوري، وقد كان الشباك مزدحما، وفجأة انفضّ موظف الشبّاك وافترش سجّادة الصلاة وبدأ يُصلي. كان القطار على وشك دخول المحطة، وكان ذلك الشباك هو الوحيد في تلك المحطة الصغيرة، فأخذ النّاس يتصايحون، والقطار يقترب، وصاحبنا يصلي… إلى أن وصل القطار وصاحبنا لا يزال يصلي والناس يتصايحون. وفي تلك الأثناء شعرت وكأنّه يقول في نفسه : طز على الجميع !
كم نحتاج إلى نباهة علي شريعتي حين تكلم في أحد فصول كتابه “النّباهة والاستحمار” عن الصلاة التي تنقلب من وسيلة للسمو إلى أداة للاستحمار، وعن ذلك المؤمن المستحمر من قمّة رأسه إلى أخمص قدميه، والذي يخشى أن يفوته وقت الصلاة ويُضيع أجرا وفيرا، فيهرول إلى المسجد تاركا النّار تلتهم بيت جاره البئيس ! ومثل ذلك حالات كثيرة أصبحت فيها الشعائر والعبادات مضيعة للعمل والإنتاج، وللعيش المشترك.
الاستحمار الديني عائق كبير أمام المصلحة العامة والخير العام، وهذان هما أساسيات الفضاء العمومي. ولذلك بوسعنا أن نقول : الاستحمار الديني هو العائق الأكبر أمام روح المواطنة.
المواطنة والاستحمار
Reviewed by Gharam elsawy
on
4:19 م
Rating:
ليست هناك تعليقات: