الازهر

[الازهر][twocolumns]

مجالس العلماء

[مجالس العلماء][bsummary]

س و ج

[س وج][grids]

سلسلة بناء أمة ...من دروس السيرة النبوية ( تربية الثبات ) للدكتور راغب السرجاني ( الحلقة 63)



تتمة الضغوط النفسية لصد المسلمين عن الدين :


تعدى الأمر من إيذاء الرجال لرسول الله إلى إيذاء النساء، هذا شيء في منتهى المشقة على نفسية أي رجل، بل خرجت هذه المرأة ذات مرة لتضرب رسول الله، وأمسكت بيدها فهراً من الحجارة، -يعني: ملء الكف من الحجارة- وجاءت لترجم الرسول ﷺ وهو جالس بجانب الصديق رضي الله عنه في البيت الحرام

فلما جاءت إليهما أخذ الله عز وجل ببصرها عن رسول الله، فقالت: أين صاحبك قد بلغني أنه يهجوني؟ وذلك في الآية الكريمة:(تَبَّتْ يَدَا أَبِي لَهَبٍ وَتَبَّ * مَا أَغْنَى عَنْهُ مَالُهُ وَمَا كَسَبَ * سَيَصْلَى نَارًا ذَاتَ لَهَبٍ * وَامْرَأَتُهُ حَمَّالَةَ الْحَطَبِ * فِي جِيدِهَا حَبْلٌ مِنْ مَسَدٍ)[المسد:1-5]، فـأم جميل بنت حرب قالت: والله لو وجدته لرجمته بهذا الفهر!

وهذا الإيذاء لم يكن فقط في الشارع أو في البيت الحرام، لا، بل كانوا يتطاولون على رسول الله حتى وهو في بيته، فقد كان إذا صلى في فناء بيته ألقوا عليه رحم الشاة من فوق السور حتى يصيبه هذا الأذى؛ لذا كان يصلي وراء حجر يستتر به من قاذورات قريش،ثم كان رسول الله يخرج بهذه الأوساخ فيخاطب عقول وقلوب قريش، فيقول: يا بني عبد مناف أي جوار هذا.

اقرأ أيضا :سلسلة بناء أمة ...من دروس السيرة النبوية ( تربية الثبات ) للدكتور راغب السرجاني ( الحلقة 62)
يذكرهم بحقوق الجار والجوار التي طالما تشدقت بها قريش، طالما تحدثت قريش عن حفظها لحقوق الإنسان وهي الآن تحارب أعظم رجالها وخيرة أبنائها عندما أعلنوا كلمة الإيمان.

إذاً: كانت وسيلة من وسائل أهل الباطل في حرب الدعوة الجديدة: وسيلة الضغط النفسي على المسلمين من الصحابة وعلى رسول الله نفسه.

طلب المعجزات الخارقة للدلالة على صحة الإسلام تعنتاً ومماراة:

وسيلة أخرى من وسائل أهل الباطل: طلب الأمور المعجزة من باب الجدل والمراء، فإن رسول الله قد أتى لهم بمعجزة عظيمة خالدة: إنها معجزة القرآن الكريم، تحداهم به تحدياً صارخاً،
قال تعالى:{وَإِنْ كُنتُمْ فِي رَيْبٍ مِمَّا نَزَّلْنَا عَلَى عَبْدِنَا فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِنْ مِثْلِهِ وَادْعُوا شُهَدَاءَكُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنْ كُنتُمْ صَادِقِينَ * فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا وَلَنْ تَفْعَلُوا فَاتَّقُوا النَّارَ الَّتِي وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ أُعِدَّتْ لِلْكَافِرِينَ }[البقرة:23-24]، تحدٍ في منتهى القوة:{فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا وَلَنْ تَفْعَلُوا}[البقرة:24]
ومع ذلك قريش ما حاولت مرة واحدة أن تعارض هذا القرآن الكريم، ومع علمهم بصدقه ، ومع علمه بعجزهم وضعفهم أخذوا يطلبون المعجزات الأخرى من باب الجدل، مثل: انشقاق القمر،

فوقف الرسول  وأشار بيده إلى القمر فانشق إلى نصفين، نصف على جبل والنصف الآخر على جبل آخر أمام الناس جميعاً، فقالوا: سحركم محمد ، والمنصف منهم قال: اسألوا المسافرين، فلو كان سحرنا لن يسحرهم،

فلما أتت الناس سألها أهل قريش عن هذا الأمر، فقالوا: نعم، لقد رأينا القمر انشق في ذات الليلة التي انشق عندهم فيها، فكانت هي الليلة التي شق فيها للرسول القمر، ومع ذلك قالوا: هذا سحر مستمر ولم يؤمنوا؛ لأنهم ما طلبوا الآيات رغبة في التصديق وإنما لمجرد الجدال والمراء،

ثم وصل الأمر إلى أن قالوا لرسول الله ما ذكره الله عز وجل في كتابه الكريم:{وَقَالُوا لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ حَتَّى تَفْجُرَ لَنَا مِنَ الأَرْضِ يَنْبُوعًا * أَوْ تَكُونَ لَكَ جَنَّةٌ مِنْ نَخِيلٍ وَعِنَبٍ فَتُفَجِّرَ الأَنهَارَ خِلالَهَا تَفْجِيرًا * أَوْ تُسْقِطَ السَّمَاءَ كَمَا زَعَمْتَ عَلَيْنَا كِسَفًا أَوْ تَأْتِيَ بِاللَّهِ وَالْمَلائِكَةِ قَبِيلًا * أَوْ يَكُونَ لَكَ بَيْتٌ مِنْ زُخْرُفٍ أَوْ تَرْقَى فِي السَّمَاءِ وَلَنْ نُؤْمِنَ لِرُقِيِّكَ حَتَّى تُنَزِّلَ عَلَيْنَا كِتَابًا نَقْرَؤُه}[الإسراء:90-93]،
لكن الله سبحانه وتعالى يعلم الرسول ، أنكم إذا وصلتم إلى هذه الدرجة من الجدال والمراء فليس هناك إلا رد واحد وهو:{قُلْ سُبْحَانَ رَبِّي هَلْ كُنتُ إِلَّا بَشَرًا رَسُولًا }[الإسراء:93]، هم لا يريدون الإيمان، وليس هناك داع للجدل العقيم مع هؤلاء الذين أنكروا بعقولهم وقلوبهم وجوارحهم المعجزة العظيمة، كل الذي طلبوه أقل من معجزة القرآن الكريم، لكنهم لا يريدون أن يؤمنوا،
يقول الله سبحانه وتعالى:{وَلَوْ فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَابًا مِنَ السَّمَاءِ فَظَلُّوا فِيهِ يَعْرُجُونَ}[الحجر:14]، أي: لو أخذناهم وأريناهم السماء والأفلاك والمجرات والجنة والنار{لَقَالُوا إِنَّمَا سُكِّرَتْ أَبْصَارُنَا بَلْ نَحْنُ قَوْمٌ مَسْحُورُونَ }[الحجر:15].

هكذا يفعل الكفار وأهل الباطل دائماً في حربهم للمسلمين.
إذاً: من وسائل أهل الباطل في حرب المسلمين: طلب الأمور المعجزة من باب الجدل والمراء.

ليست هناك تعليقات: