الازهر

[الازهر][twocolumns]

مجالس العلماء

[مجالس العلماء][bsummary]

س و ج

[س وج][grids]

سلسلة بناء أمة ...من دروس السيرة النبوية ( من هنا بدأ الاسلام ) للدكتور راغب السرجاني ( الحلقة 25)

سلسلة بناء أمة ...من دروس السيرة النبوية ( من هنا بدأ الاسلام ) للدكتور راغب السرجاني ( الحلقة 25)


تتمة إدراك حقيقة أن النصر بيد الله :

لو نزلت الرسالة في بلد له تاريخ عسكري طويل وعظيم ومنظم لاعتقد الناس أن الفتوح كانت بسبب قوة الجيوش وأعدادها وتسليحها وخططها، ما الإعجاز في أن تفتح جيوش فارس الدنيا بأسرها؟ ما الإعجاز في أن تفعل ذلك جيوش الرومان الهائلة؟ لكن أن تنزل الرسالة في مكة فيحدث هذا الانقلاب الهائل في العالم، وتتغير خارطة الأرض تغيراً جذرياً في سنوات معدودة، هذا هو الإعجاز بعينه.

القاعدة التي نأخذها من هذا الكلام: أن الله عز وجل دائماً ينصر القلة المؤمنة على الكثرة المشركة. ونحن هنا لا ندعو المسلمين إلى تقليل أعدادهم، أو إضعاف قوتهم، بل على العكس هم مطالبون بإعداد ما استطاعوا من قوة، ونقول: إن من سنن الله عز وجل أن يجعل أهل الباطل دائماً كثرة: وَإِنْ تُطِعْ أَكْثَرَ مَنْ فِي الأَرْضِ يُضِلُّوكَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ [الأنعام:116]، ثم هو ينصر المسلمين الثابتين على دينه المتمسكين بشرعه على الكثرة المشركة فتظهر المعجزة، ويوقن الجميع أن النصر من عند الله عز وجل وليس لسبب آخر.
إذاً: نخرج بقاعدة هامة، وهي: أن الجيل الذي يحمل الأمانة لا بد أن يدرك أن النصر بيد الله عز وجل، وأن القلة المؤمنة تغلب الكثرة المشركة بإذن الله عز وجل، وتذكروا قوله تعالى: كَمْ مِنْ فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً بِإِذْنِ اللَّهِ وَاللَّهُ مَعَ الصَّابِرِينَ [البقرة:249].

الاستفادة من تعدد موازين القوى وعدم وجود حكم مركزي أو دكتاتوري في مكة:

الحكمة الثالثة من وراء نزول الرسالة في أرض مكة وجزيرة العرب: نظام الحكم في أرض مكة.


لم يكن الحكم في مكة حكماً مركزياً، ولم يكن في مكة ثمة حاكم معين، بل مجلس يضم عشرة أشخاص يمثلون عشر قبائل، حكم ائتلافي يشبه الحكم الديمقراطي، وقد أفادت كثرة موازين القوى في مكة الدعوة، ووجدت إضافة إلى ذلك بعض القوانين الوضعية في أرض مكة استفاد منها رسول الله، دون أن يتنازل عن شيء من دينه ولا من عقيدته، ليعلمنا أن المسلم الذكي الواعي الفاهم يستطيع أن يستفيد من هذه القوانين طالما يحافظ على دينه.
وهذا يرد على كثير من غير الفاهمين لسنة الرسول ، ويقولون: إننا لا نحتكم مطلقاً لقانون وضعي، لكن هذا الكلام ليس بصحيح على إطلاقه، فنحن لا نحتكم إلى قانون وضعي إذا تعارض مع شرع الله عز وجل، ونستفيد مما ليس له تعارض بالشرع.

فقانون الجوار كان في مكة، ولو كان الحكم مركزياً مثل فارس أو الروم ما تمت هذه الإجارة، والرسول  استفاد من هذا القانون، ودخل في جوار المطعم بن عدي المشرك؛ لكي يحميه من أهل مكة، ودخل أبو بكر الصديق رضي الله عنه في جوار ابن الدغنة المشرك، ودخل عثمان بن مظعون رضي الله عنه في جوار الوليد بن المغيرة المشرك.

اقرأ أيضا :سلسلة بناء أمة ...من دروس السيرة النبوية ( من هنا بدأ الاسلام ) للدكتور راغب السرجاني ( الحلقة 24 )



هكذا استفادوا من قانون الجوار الوضعي في مكة، لكن بدون تفريط في العقيدة أو الدين.
كذلك هناك قانون قبلي أيضاً كان في مكة استفاد منه رسول الله، وهو حماية بني هاشم له، وبالذات في أثناء حياة أبي طالب مع كون معظمهم على الشرك، أبو طالب بالذات كان مشركاً، وبقي إلى آخر لحظة من لحظات حياته مشركاً، ومع ذلك الرسول ﷺ قبل حمايته.
كذلك قانون الأحلاف، قبل رسول الله  بفكرة الأحلاف مع المشركين، إذا كان الحلف يهدف إلى أمر نبيل ولا يتعارض مع الدين الإسلامي،

يقول الرسول عليه الصلاة والسلام: (شهدت وأنا غلام -أي: قبل البعثة- حلفاً مع عمومتي المطيبين) كان حلفاً بين بني هاشم وبني تيم وزهرة على نصرة المظلوم.

يقول: (فما أحب أن لي به حمر النعم وأني نكثته، ولو دعيت به اليوم في الإسلام لأجبت).

وأكثر من هذا ما كان في صلح الحديبية، فقد حالف رسول الله قبيلة خزاعة وكانت مشركة.

وكان للمسلمين دولة وكيان معروف وقوي.ووقع معاهدة مع قريش، وبهذه المعاهدة حالف خزاعة ووضع يده في يدها، وما تنازل عن أي قانون إسلامي أو أي عرف إسلامي، لكنه تعاون مع خزاعة ضد قريش.

إذاً: الرسول  استفاد من تعدد موازين القوى، ومن قوانين المجتمع الوضعية ما دامت لا تتعارض مع الدين والشرع والعقيدة.
وهذه الحكمة ما كانت لتظهر لو نزلت الرسالة في بلد فيه حكم ديكتاتوري مثل: فارس أو الروم أو غيرهما من الممالك الموجودة في ذلك الوقت.

ليست هناك تعليقات: