قول الزور وشهادة الزورمن أكبر الكبائر
بقلم المستشار: حسن عبدالتواب الشحيمي
أحصى كتاب الكبائر للحافظ شمس الدين الذهبى ـ على اتفاق من جمهور العلماء ـ ستة وسبعين كبيرة تؤدى بمرتكبها المصر عليها إلى النار مخلداً فيها كالزنى والقتل ـ وشرب الخمر ـ واللواط إلا أنه من بين الستة والسبعين كبيرة ثلاث منهن من أكبر الكبائر لما يترتب عليهن من آثام وشرور ومن الثلاث واحدة يشتد التحذير منها لما يترتب عليها من عظائم الأمور وتضييع الحقوق وجعل الحق باطلاً والباطل حقاً ومن ثم تزرع الحقد والغل، وهذه الكبيرة تحتل قمة أكبر الكبائر بعد الشرك بالله من حيث عظم الذنب وخطورة المسلك وكارثية الآثار ـ “عن أبى بكر الصديق رضى الله عنه قال: قال رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ مبادراً صحابته ـ رضوان الله عليهم ـ على غير سؤال ألا أنبئكم بأكبر الكبائر.. ثلاثاً الإشراك بالله وعقوق الوالدين، ألا وشهادة الزور وقول الزور” وكان متكئاً فجلس فمازال يكررها حتى قلنا ليته سكت إشفاقاً عليه” رواه البخارى ومسلم.
ويلاحظ فى هذه الرواية أن النبى ـ صلى الله عليه وسلم ـ كان متكئاً فاعتدل ـ أى جلس ـ ثم استرسل فى تكرار ألا وشهادة الزور وقول الزور ومازال يكررها فى حرارة وانفعال حتى تمنوا لو أنه سكت إشفاقاً على النبى ـ صلى الله عليه وسلم ـ فكان فى الاعتدال من الاتكاء والتكرار لعدة مرات بانفعال إشارة صريحة وحادة تضع شهادة الزور وقول الزور ما بين قوسين، للفت الانتباه إليها وإلى خطورة ما يترتب عليه من آثار تتعدى شاهد الزور وقائله إلى المجتمع وفى ذات الحديث برواية أخرى “عن أنس بن مالك ـ رضى الله عنه ـ قال ذكر رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ الكبائر فقال “الشرك بالله وعقوق الوالدين وقتل النفس ـ وقال ألا أنبئكم بأكبر الكبائر قول الزور أو قال شهادة الزور” رواه البخارى ومسلم.
وهذه الرواية تجعل كبيرة الكبائر قول الزور وشهادة الزور، حيث تحدث عن الكبائر سرداً، فذكر الشرك بالله وعقوق الوالدين وقتل النفس ثم جعل شهادة الزور وقول الزور فى إشارة صريحة من أكبر الكبائر مطلقاً فقد فرق النبى ـ صلى الله عليه وسلم ـ فى هذه الرواية بين الكبائر وأكبر الكبائر، وهذه الإشارات تبين مدى جسامة وخطورة قول الزور وشهادة الزور حيث إن تفشى هذه الكبيرة المغلظة تزرع فى المجتمع البغضاء والشحناء وتورث التقاطع والتدابر وتشعل نيران الغل والحقد.
وقول الزور هو كل قول يخالف الحق سواء كان قولاً مجرداً أو شهادة على أمر ما، والحديث عن قول الزور وشهادة الزور فى اللحظة المعاصرة يكتسب أهمية وحيوية وضرورة قصوى، لكى يميز الناس بين الحق والباطل لأن أعراض قول الزور وشهادة الزور شاخصة للعيان، فالآثار الضارة لهذه الفعلة ظهرت تداعياتها على جوانب كثيرة فى المجتمع مما يقطع أن جريمة قول الزور وشهادة الزور استمرأها البعض واستشرت وأصابت المجتمع فى مقتل، فأفرزت حالة التردى التى نعيشها ونكتوى بنارها وهو ما جعل الوعى يزداد إدراكاً لمعنى اعتدال النبى ـ صلى الله عليه وسلم ـ من وضع الاتكاء إلى وضع الجلوس وترديد هذه الكبيرة باعتبارها من أكبر الكبائر مرات متعددة ومفعمة بالانفعال الذى أدى إلى إشفاق من حوله من الصحابة عليه. وهذا الحديث فيما سبق كان يمر على الإنسان فيأخذه على محمل أنه عمل مرذول وجزاؤه عظيم إلا أن الظرف الراهن كشف بعداً أكبر وأثراً أضخم حيث طابق المقال واقع الحال وصادف الخطر المحدق التحذير المشدد، فاستشعر الإنسان بقوة معنى انفعال النبى ـ صلى الله عليه وسلم ـ وهو يردد ألا وقول الزور ألا وشهادة الزور للإشارة بقوة إلى جسامة الآثار المترتبة على قول الزور وشهادة الزور وحرصه ـ صلوات الله عليه ـ على سلامة المجتمع وحمايته من الآثار الكارثية لكبيرة الكبائر، فمن أقوال الزور فى حاضر أيامنا “كذبة قانون جماع الوداع” وما يقول به مزور كذب: إن هناك مشروع قانون يسمح للزوج بمجامعة زوجته المتوفاة قبل انقضاء ست ساعات على وفاتها وأطلق هذه المقولة المزورة فى مقال احتوته جريدة كبرى، وهو بدع من الزور يترفع الشيطان عنه ثم توالت شهادات الزور ممن قاموا بترديدها بإصرار، ويريدون أن يجعلوا من مقالة الزور حقيقة فتسببت فى إيذاء جموع المسلمين، وعلق فيها خصوم الإسلام بتعقيبات تحط من قدر الإسلام والمسلمين وتنسب إليهم ما ليس فيهم. فظلم ملايين المسلمين هنالك أيما ظلم من قائل الزور وشاهده مما أدى إلى الاضطراب والبلبلة فى المجتمع ولا أجاوز الحقيقة إذا قلت إنها تسببت فى فتنة لبعض ضعاف الإيمان.
ومن ثم فإن المقالات المضلة من قول زور يحاسب أصحابها حساباً عسيراً لما لها من آثار على جماهير القراء وكذلك ضيوف برامج “التوك شو” التى ضج منها الناس هم شهود زور فيما يتناقلونه من أقوال مزورة وتقريرات كاذبة فى قضايا ثبت بعد حين أن شهادتهم كانت شهادة زور وأنهم جانبوا الحقيقة وتسببوا فى انقسامات حادة حتى داخل البيت الواحد، وهنا يتجلى بقوة معنى التحذير الشديد الذى أطلقه ـ النبى صلى الله عليه وسلم ـ من خطورة قول الزور وشهادة الزور، فهو الصادق المعصوم الذى لا ينطق عن الهوى الذى عرف أبواب الشر فاجتهد فى إغلاقها وتحذير الأمة من ولوجها لما فيها من شر مستطير وتداع خطير رأينا آثاره فى الساحات والميادين، وعاد قابيل ليقتل هابيل من جديد بعدما شحن بالغضب وامتلأ قلبه بالبغض والحقد وطوع له شهود الزور قتل أخيه فقتله على منكر من القول وزوراً.
ولفرط الخطورة الناجمة عن قول الزور وشهادة الزور أنزل المولى ـ عز وعلا ـ قرآناً حاسماً فى الوقاية من قول الزور وشهادة الزور ومجالس الزور، فقال تعالى فى شأن أهل الإيمان: “وَالَّذِينَ لَا يَشْهَدُونَ الزُّورَ وَإِذَا مَرُّوا بِاللَّغْوِ مَرُّوا كِرَامًا” وهذه الآية تناولها المفسرون على وجهين: الوجه الأول وهو المعنى المتبادر من ظاهر الآية أن أهل الإيمان لا يشهدون الزور، أى بمعنى إذا طلبوا للشهادة لا يشهدون إلا بالحق، إلا أن هناك معنى آخر تبناه فريق من المفسرين نرى له وجاهته فى واقعنا الراهن؛ وهو أن الذين لا يشهدون الزور هم من ينأون بأنفسهم عن مشاهدة المحافل التى يتردد فيها الزور بكل أنواعه وألوانه فلا يجالسون أصحاب مجالس الزور، وإنما ينصرفون عنها باعتبارها لغواً، وهو ما تؤيده الآية الكريمة أن المؤمنين إذا مروا بمجالس الزور مروا كراماً لا يشتركون فى هذه المجالس ولا يجالسون أصحابها، وهى تمثل وقاية من تداعيات قول الزور ـ عدم الإعراض عن مجالس الزور ومتابعتها وترديد ما يدور فيها على أنه حقيقة لا تقبل الشك يجعل المردد لأقوال الزور شريكاً فى الإثم وله كفل من الذنب، لأنه يشارك فى نشر الزور وإذا صار يردد عامداً على الناس هذا الزور رغم علمه تحول إلى شاهد زور مرتكباً لكبيرة من أكبر الكبائر، وهى حالة متفشية، إذ إن بعض الناس يخرجون من محافل الزور يرددون ما سمعوا فى هذه المجالس وكأنهم يرددون حقائق لا يأتيها الباطل من بين يديها ولا من خلفها ثم تنكشف الحقيقة بعد حين. إن ما تردد بين الناس هو قول زور ومن شهدوا به شهود زور والجميع آثمون ولا يمحو هذا الإثم إلا التوبة والإعلان للناس أن ما رددوه كان زوراً لإزالة آثار هذا العمل اللا أخلاقى وقليلاً ما يفعلون، لأن الغالبية العظمى تكذب وهى تعلم والعياذ بالله.
وما يسمى بالبرامج الحوارية على الفضائيات هى مجالس زور بامتياز أصبحت مصدراً للشائعات الكاذبة والوقائع المختلفة لتحريض الناس بعضهم على بعض وإثارة القلاقل والفتن وتعمد استضافة شهود زور بعينهم يرددون منكراً من القول وزوراً ولا يراعون فى الناس ومصالح الأمة إلاً ولا ذمة وهذا يمثل قمة المنكر والزور الذى يتعين على المجتمع أن يتطهر منه قبل فوات الأوان، فالسخرية من الناس أياً كان مقامهم ومكانهم هو زور. وتحريف الكلم عن مواضعه هو زور. واعتبار سباب البعض جريمة وسباب البعض الآخر حرية رأى هو قول زور. وتبرير الفجور والفواحش بزعم حقوق الإنسان هو قول زور، وكشف العورات وتتبع السوءات وقذف الأعراض هو قول زور.
ومن جانب آخر فالشهادة بالحق وللحق واجبة ويتعين على شاهد الحق ألا يتوانى عن أداء هذه الشهادة لأنه يكسب إثماً إذا كتم شهادة الحق “وَلَا تَكْتُمُوا الشَّهَادَةَ ۚ وَمَنْ يَكْتُمْهَا فَإِنَّهُ آثِمٌ قَلْبُهُ ۗ”، وحين يتوارى شهود الحق عن المشهد خوفاً وجزعاً ويتدافع شهود الزور لبث الأكاذيب وتأجيج الخصومات بين الناس ـ ويظهر الفساد ملء البر والبحر ويصبح شراء الضمائر والذمم بالمال لغمط الحق ونشر الزور سمة مميزة وسلعة رائجة دون خوف من الله. ويتعين على شهود الحق أن يتقدموا بشهادتهم ولا يحجموا عنها وإلا أثموا جميعاً وهذا المقال من قبيل الشهادة التى أتمنى أن تكون شهادة حق.
ويبقى أن يعلم قائل الزور وشاهده أنه يرتكب جريمة تعدل جريمة الشرك بالله، فشاهد الزور وقائله كالمشرك بالله سواء بسواء، ويقول المولى ـ عز وجل ـ “فَاجْتَنِبُوا الرِّجْسَ مِنَ الْأَوْثَانِ وَاجْتَنِبُوا قَوْلَ الزُّورِ * حُنَفَاء لِلَّهِ غَيْرَ مُشْرِكِينَ بِهِ” سورة الحج.
والمجتمع المؤمن عليه دور كبير فى وأد الفتنة بالإغراض عن اللغو وقول الزور ومقاطعة شهود الزور والكف عن الاستماع إليهم أو ترديد ما يقولون وتنزيه أنفسهم عن هذا اللغو وحينما لا يجد قائل الزور وشاهد الزور أذناً تسمع وألسنة تردد ما يتقيأه ظلماً وزوراً سوف يتوقف، وأما إذا كان الحال هو ما نعيشه فستتحول حياة الناس إلى ضنك وقلق واضطراب وتمتلئ بالخوف وانعدام الطمأنينة وتصاب الأنفس بالاكتئاب وتشتد العداوات وتراق الدماء، وما اجتمعت هذه الآفات فى مجتمع إلا دمرته تدميراً وهذا ما حذر منه النبى ـ صلى الله عليه وسلم ـ وكان منفعلاً من أجله.
“هذا بلاغ للناس ولينذروا به”، “ألا قد بلغت اللهم فاشهد
أحصى كتاب الكبائر للحافظ شمس الدين الذهبى ـ على اتفاق من جمهور العلماء ـ ستة وسبعين كبيرة تؤدى بمرتكبها المصر عليها إلى النار مخلداً فيها كالزنى والقتل ـ وشرب الخمر ـ واللواط إلا أنه من بين الستة والسبعين كبيرة ثلاث منهن من أكبر الكبائر لما يترتب عليهن من آثام وشرور ومن الثلاث واحدة يشتد التحذير منها لما يترتب عليها من عظائم الأمور وتضييع الحقوق وجعل الحق باطلاً والباطل حقاً ومن ثم تزرع الحقد والغل، وهذه الكبيرة تحتل قمة أكبر الكبائر بعد الشرك بالله من حيث عظم الذنب وخطورة المسلك وكارثية الآثار ـ “عن أبى بكر الصديق رضى الله عنه قال: قال رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ مبادراً صحابته ـ رضوان الله عليهم ـ على غير سؤال ألا أنبئكم بأكبر الكبائر.. ثلاثاً الإشراك بالله وعقوق الوالدين، ألا وشهادة الزور وقول الزور” وكان متكئاً فجلس فمازال يكررها حتى قلنا ليته سكت إشفاقاً عليه” رواه البخارى ومسلم. ويلاحظ فى هذه الرواية أن النبى ـ صلى الله عليه وسلم ـ كان متكئاً فاعتدل ـ أى جلس ـ ثم استرسل فى تكرار ألا وشهادة الزور وقول الزور ومازال يكررها فى حرارة وانفعال حتى تمنوا لو أنه سكت إشفاقاً على النبى ـ صلى الله عليه وسلم ـ فكان فى الاعتدال من الاتكاء والتكرار لعدة مرات بانفعال إشارة صريحة وحادة تضع شهادة الزور وقول الزور ما بين قوسين، للفت الانتباه إليها وإلى خطورة ما يترتب عليه من آثار تتعدى شاهد الزور وقائله إلى المجتمع وفى ذات الحديث برواية أخرى “عن أنس بن مالك ـ رضى الله عنه ـ قال ذكر رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ الكبائر فقال “الشرك بالله وعقوق الوالدين وقتل النفس ـ وقال ألا أنبئكم بأكبر الكبائر قول الزور أو قال شهادة الزور” رواه البخارى ومسلم.
وهذه الرواية تجعل كبيرة الكبائر قول الزور وشهادة الزور، حيث تحدث عن الكبائر سرداً، فذكر الشرك بالله وعقوق الوالدين وقتل النفس ثم جعل شهادة الزور وقول الزور فى إشارة صريحة من أكبر الكبائر مطلقاً فقد فرق النبى ـ صلى الله عليه وسلم ـ فى هذه الرواية بين الكبائر وأكبر الكبائر، وهذه الإشارات تبين مدى جسامة وخطورة قول الزور وشهادة الزور حيث إن تفشى هذه الكبيرة المغلظة تزرع فى المجتمع البغضاء والشحناء وتورث التقاطع والتدابر وتشعل نيران الغل والحقد.
وقول الزور هو كل قول يخالف الحق سواء كان قولاً مجرداً أو شهادة على أمر ما، والحديث عن قول الزور وشهادة الزور فى اللحظة المعاصرة يكتسب أهمية وحيوية وضرورة قصوى، لكى يميز الناس بين الحق والباطل لأن أعراض قول الزور وشهادة الزور شاخصة للعيان، فالآثار الضارة لهذه الفعلة ظهرت تداعياتها على جوانب كثيرة فى المجتمع مما يقطع أن جريمة قول الزور وشهادة الزور استمرأها البعض واستشرت وأصابت المجتمع فى مقتل، فأفرزت حالة التردى التى نعيشها ونكتوى بنارها وهو ما جعل الوعى يزداد إدراكاً لمعنى اعتدال النبى ـ صلى الله عليه وسلم ـ من وضع الاتكاء إلى وضع الجلوس وترديد هذه الكبيرة باعتبارها من أكبر الكبائر مرات متعددة ومفعمة بالانفعال الذى أدى إلى إشفاق من حوله من الصحابة عليه. وهذا الحديث فيما سبق كان يمر على الإنسان فيأخذه على محمل أنه عمل مرذول وجزاؤه عظيم إلا أن الظرف الراهن كشف بعداً أكبر وأثراً أضخم حيث طابق المقال واقع الحال وصادف الخطر المحدق التحذير المشدد، فاستشعر الإنسان بقوة معنى انفعال النبى ـ صلى الله عليه وسلم ـ وهو يردد ألا وقول الزور ألا وشهادة الزور للإشارة بقوة إلى جسامة الآثار المترتبة على قول الزور وشهادة الزور وحرصه ـ صلوات الله عليه ـ على سلامة المجتمع وحمايته من الآثار الكارثية لكبيرة الكبائر، فمن أقوال الزور فى حاضر أيامنا “كذبة قانون جماع الوداع” وما يقول به مزور كذب: إن هناك مشروع قانون يسمح للزوج بمجامعة زوجته المتوفاة قبل انقضاء ست ساعات على وفاتها وأطلق هذه المقولة المزورة فى مقال احتوته جريدة كبرى، وهو بدع من الزور يترفع الشيطان عنه ثم توالت شهادات الزور ممن قاموا بترديدها بإصرار، ويريدون أن يجعلوا من مقالة الزور حقيقة فتسببت فى إيذاء جموع المسلمين، وعلق فيها خصوم الإسلام بتعقيبات تحط من قدر الإسلام والمسلمين وتنسب إليهم ما ليس فيهم. فظلم ملايين المسلمين هنالك أيما ظلم من قائل الزور وشاهده مما أدى إلى الاضطراب والبلبلة فى المجتمع ولا أجاوز الحقيقة إذا قلت إنها تسببت فى فتنة لبعض ضعاف الإيمان.
ومن ثم فإن المقالات المضلة من قول زور يحاسب أصحابها حساباً عسيراً لما لها من آثار على جماهير القراء وكذلك ضيوف برامج “التوك شو” التى ضج منها الناس هم شهود زور فيما يتناقلونه من أقوال مزورة وتقريرات كاذبة فى قضايا ثبت بعد حين أن شهادتهم كانت شهادة زور وأنهم جانبوا الحقيقة وتسببوا فى انقسامات حادة حتى داخل البيت الواحد، وهنا يتجلى بقوة معنى التحذير الشديد الذى أطلقه ـ النبى صلى الله عليه وسلم ـ من خطورة قول الزور وشهادة الزور، فهو الصادق المعصوم الذى لا ينطق عن الهوى الذى عرف أبواب الشر فاجتهد فى إغلاقها وتحذير الأمة من ولوجها لما فيها من شر مستطير وتداع خطير رأينا آثاره فى الساحات والميادين، وعاد قابيل ليقتل هابيل من جديد بعدما شحن بالغضب وامتلأ قلبه بالبغض والحقد وطوع له شهود الزور قتل أخيه فقتله على منكر من القول وزوراً.
ولفرط الخطورة الناجمة عن قول الزور وشهادة الزور أنزل المولى ـ عز وعلا ـ قرآناً حاسماً فى الوقاية من قول الزور وشهادة الزور ومجالس الزور، فقال تعالى فى شأن أهل الإيمان: “وَالَّذِينَ لَا يَشْهَدُونَ الزُّورَ وَإِذَا مَرُّوا بِاللَّغْوِ مَرُّوا كِرَامًا” وهذه الآية تناولها المفسرون على وجهين: الوجه الأول وهو المعنى المتبادر من ظاهر الآية أن أهل الإيمان لا يشهدون الزور، أى بمعنى إذا طلبوا للشهادة لا يشهدون إلا بالحق، إلا أن هناك معنى آخر تبناه فريق من المفسرين نرى له وجاهته فى واقعنا الراهن؛ وهو أن الذين لا يشهدون الزور هم من ينأون بأنفسهم عن مشاهدة المحافل التى يتردد فيها الزور بكل أنواعه وألوانه فلا يجالسون أصحاب مجالس الزور، وإنما ينصرفون عنها باعتبارها لغواً، وهو ما تؤيده الآية الكريمة أن المؤمنين إذا مروا بمجالس الزور مروا كراماً لا يشتركون فى هذه المجالس ولا يجالسون أصحابها، وهى تمثل وقاية من تداعيات قول الزور ـ عدم الإعراض عن مجالس الزور ومتابعتها وترديد ما يدور فيها على أنه حقيقة لا تقبل الشك يجعل المردد لأقوال الزور شريكاً فى الإثم وله كفل من الذنب، لأنه يشارك فى نشر الزور وإذا صار يردد عامداً على الناس هذا الزور رغم علمه تحول إلى شاهد زور مرتكباً لكبيرة من أكبر الكبائر، وهى حالة متفشية، إذ إن بعض الناس يخرجون من محافل الزور يرددون ما سمعوا فى هذه المجالس وكأنهم يرددون حقائق لا يأتيها الباطل من بين يديها ولا من خلفها ثم تنكشف الحقيقة بعد حين. إن ما تردد بين الناس هو قول زور ومن شهدوا به شهود زور والجميع آثمون ولا يمحو هذا الإثم إلا التوبة والإعلان للناس أن ما رددوه كان زوراً لإزالة آثار هذا العمل اللا أخلاقى وقليلاً ما يفعلون، لأن الغالبية العظمى تكذب وهى تعلم والعياذ بالله.
وما يسمى بالبرامج الحوارية على الفضائيات هى مجالس زور بامتياز أصبحت مصدراً للشائعات الكاذبة والوقائع المختلفة لتحريض الناس بعضهم على بعض وإثارة القلاقل والفتن وتعمد استضافة شهود زور بعينهم يرددون منكراً من القول وزوراً ولا يراعون فى الناس ومصالح الأمة إلاً ولا ذمة وهذا يمثل قمة المنكر والزور الذى يتعين على المجتمع أن يتطهر منه قبل فوات الأوان، فالسخرية من الناس أياً كان مقامهم ومكانهم هو زور. وتحريف الكلم عن مواضعه هو زور. واعتبار سباب البعض جريمة وسباب البعض الآخر حرية رأى هو قول زور. وتبرير الفجور والفواحش بزعم حقوق الإنسان هو قول زور، وكشف العورات وتتبع السوءات وقذف الأعراض هو قول زور.
ومن جانب آخر فالشهادة بالحق وللحق واجبة ويتعين على شاهد الحق ألا يتوانى عن أداء هذه الشهادة لأنه يكسب إثماً إذا كتم شهادة الحق “وَلَا تَكْتُمُوا الشَّهَادَةَ ۚ وَمَنْ يَكْتُمْهَا فَإِنَّهُ آثِمٌ قَلْبُهُ ۗ”، وحين يتوارى شهود الحق عن المشهد خوفاً وجزعاً ويتدافع شهود الزور لبث الأكاذيب وتأجيج الخصومات بين الناس ـ ويظهر الفساد ملء البر والبحر ويصبح شراء الضمائر والذمم بالمال لغمط الحق ونشر الزور سمة مميزة وسلعة رائجة دون خوف من الله. ويتعين على شهود الحق أن يتقدموا بشهادتهم ولا يحجموا عنها وإلا أثموا جميعاً وهذا المقال من قبيل الشهادة التى أتمنى أن تكون شهادة حق.
ويبقى أن يعلم قائل الزور وشاهده أنه يرتكب جريمة تعدل جريمة الشرك بالله، فشاهد الزور وقائله كالمشرك بالله سواء بسواء، ويقول المولى ـ عز وجل ـ “فَاجْتَنِبُوا الرِّجْسَ مِنَ الْأَوْثَانِ وَاجْتَنِبُوا قَوْلَ الزُّورِ * حُنَفَاء لِلَّهِ غَيْرَ مُشْرِكِينَ بِهِ” سورة الحج.
والمجتمع المؤمن عليه دور كبير فى وأد الفتنة بالإغراض عن اللغو وقول الزور ومقاطعة شهود الزور والكف عن الاستماع إليهم أو ترديد ما يقولون وتنزيه أنفسهم عن هذا اللغو وحينما لا يجد قائل الزور وشاهد الزور أذناً تسمع وألسنة تردد ما يتقيأه ظلماً وزوراً سوف يتوقف، وأما إذا كان الحال هو ما نعيشه فستتحول حياة الناس إلى ضنك وقلق واضطراب وتمتلئ بالخوف وانعدام الطمأنينة وتصاب الأنفس بالاكتئاب وتشتد العداوات وتراق الدماء، وما اجتمعت هذه الآفات فى مجتمع إلا دمرته تدميراً وهذا ما حذر منه النبى ـ صلى الله عليه وسلم ـ وكان منفعلاً من أجله.
“هذا بلاغ للناس ولينذروا به”، “ألا قد بلغت اللهم فاشهد
قول الزور وشهادة الزورمن أكبر الكبائر
Reviewed by Ahmed Aldosoky
on
6:55 ص
Rating:

ليست هناك تعليقات: